(الحُديبيَة) باب الفتح المبين
شرَّف الله تعالى أشياءَ فذكرها في القرآن الكريم، وما ذلك إلا لشرف من كان فيها.
فقد شرَّف غاراً للجوء نبيٍّ كريم إليه، وكهفاً لإيواء فتيةٍ مؤمنين فيه، وكذلك فلقد شرَّف شجرةً ببيعة رجالٍ صادقين تحتها.
شجرةٌ حدباء دُعي موقعها (الحُدَيبيَة)، بايع تحتها رجالٌ الرسولَ ﷺ فرضي الله عنهم،
فدعيت بيعتهم (بيعة الرضوان)
وإليكم الخبر…
المكان: (الحُدَيبيَة) على بعد (24كم) غرب المسجد الحرام، على طريق جَدّة.
يقع خارج الحرم وقريباً جداً من حدوده ( على بعد 2 كم من علمين يحددان بداية الحرم)
الزمان: ذي القعدة 6 للهجرة
الخبر: خرج النبيﷺ من المدينة معتمراً ومعه المسلمون _ كان قد رأى في منامه أنهم يطوفون بالكعبة_ وفي الطريق علم أن قريشاً تعتزم صدَّهم عن البيت، فتأهبوا لملاقاتهم.
فلما وصلوا (ثنيّة المُرَار) بركت ناقة النبيﷺ وامتنعت عن المسيرفقال ﷺ:
“حبَسها حابسُ الفيل”
إنّ للبيت رب يحميه، ولئن حماهُ تعالى يوم الفيل باسمهِ الجبار، فسيحميه اليوم باسمه السلام. فلم يأذن لأهل الحق أن يقارعوا أهل الباطل في حرمه.
عدل النبي ﷺ عن طريق مكة غرباً إلى أقصى (الحُدَيبيَة)، وكانوا ألفاً وأربعمائة رجل، نزلوا في وادٍ لا ماء فيه، فعطشوا، فنبع ماءٌ طهورٌ من بين أصابع الرسولﷺ، وتلك آيةٌ بينةٌ تجلت في (الحُدَيبيَة)
وبعث النبي ﷺ إلى قريش عثمان بن عفان، ليخبرهم أنهم إنما جاؤوا زائرين معظمين للبيت الحرام لا محاربين. فطال غيابه، فأشيع أنه قتل!
غضب النبي ﷺ فدعا المسلمين إلى البيعة تحت الشجرة، فأقبلوا يبايعون على الموت (بيعة الرضوان).
ثم تبين كذب الإشاعة.
وجاء مبعوثٌ من قريش للتفاوض، وتمخضت المفاوضات عن كتابة (صلح الحُدَيبيَة) وفيه اصطلحوا على هدنة مدتها عشر سنوات، وتأجيل العمرة عاماً، وعلى ردّ كل رجل يأتيهم من قريش، ولا تردّ قريش من يأتيها منهم.
لقد عُقد في (الحُدَيبيَة) صلح ظنه المسلمون مجحفاً، وقضاه الحكيم فتحاً مبيناً، وشهدوا فيها امتحاناً في المبايعة على الموت، وابتلاء في السمع والطاعة، ودرساً في التسليم لتدبيرالله.
ولئن جعل الله تعالى مكة منبعاً للنور، والمدينة مئرزاً للإيمان، فقد جعل (الحُدَيبيَة) منزلاً للسكينة والرضوان وباب الفتح المبين.